يرد الخلط واللبس غالباً بشأن دمج المسئولية الواردة في المادة 28 من نظام الشركات وبين تضمين الشريك أو المدير ديون الشركة بصفته الشخصيّة وذمته المالية، فنجد -غالباً- أن دعوى المسئولية المرفوعة بموجب المادّة المُشار إليها تنتهي بطلب التضمين؛ وهذا المفهوم والخلط غير سديد؛ فالأصل اعتبار ذمّة الشريك المحدودة بقدر حصّته من رأس مال، ولا يجوز العدول عن الأصل إلا بنصّ خاص، ومن ثمّ فإنّ مُخالفة المدير الشريك أو مجلس الإدارة-بحسب الحال- الأحكام النظاميّة المقرّرة في نظام الشركات والتي ترتب عليها ضرراً لدائن الشركة لا يلزم معه القول دوماً بوجوب تضمينه هذا الدين بناءً على قام به من مخالفة؛ وإنمّا يجب النظر إلى المُخالفة الماثلة، وهل هي محكومة بنصّ نظامي يُفضي إلى وجوب تضمين الشريك لهذا الدين وإزالة الستار الحاجز للشركة المسئوليّة المحدودة تجاهه، فإن وُجد النصّ تحقّق موجب التضمين، وأمّا عداه فلا يكون طلب التضمين مُستند على أساس سليم من النظام، والقول بعدم التضمين هُنا لا يعني التحلّل من المسئوليّة بالكليّة؛ بل تظلّ المسئوليّة قائمة ويُسائل المدير أو مجلس الإدارة-بحسب الحال- وفق أحكام المسئوليّة التقصيريّة ويُلزم بتعويض دائن الشركة عن ذلك الخطأ الذي قام به وفقاً لأحكام التعويض المقررة شرعاً ونظاماً من ثبوت الخطأ والضرر والعلاقة السببية، ولمّا كان الحال ذلك ولإزالة اللبس فتعيّن حصر المواد النظاميّة التي قررت تضمين المدير الشريك لديون الشركة بصفته الشخصيّة وذمّته الماليّة، وهذه الحالات وردت في خمس مواد في نظام الشركات أذكرها حصراً وفق التالي:
أولاً: عدم استيفاء إجراءات تأسيس الشركة:
المادّة 9/3: ونصّها (إذا لم تستوف إجراءات تأسيس الشركة على النحو المبيّن في النظام يكون الأشخاص الذين تعاملوا أو تصرفوا باسم الشركة أو لحسابها مسئولين شخصيّاً في جميع أموالهم وبالتضامن في مواجهة الغير عن الأفعال والتصرّفات التي صدرت عنهم خلال مدّة التأسيس) فالشركة تكتسب الشخصيّة الاعتباريّة ويكون لها وجود أمام الغير بعد قيدها في السجل التجاري وقبل إكمال إجراءات التأسيس، فلو قام المدير أو الشريك بإبرام عقد باسم الشركة أثناء هذه الفترة فإنّه يكون مسئولاً مسئوليّة تضامنيّة عن الدين الذي ينشأ عنه لدائن بالشركة بالتضامن حال عدم اكتمال إجراءات التأسيس وانتهاء الشركة.
ثانياً: عدم عدالة تقييم الحصص العينيّة:
م141 ونصّها (إذا لم تقيّم الحصص العينيّة من مقيّم مُعتمد وفقاً لحكم هذه المادّة أو إذا قيّمت بغير تقدير المقيّم المُعتمد، يكون المؤسّسون أو المساهمون مسئولين شخصيّاً في جميع أموالهم في مواجهة الغير عن عدالة تقدير هذه الحصص وأداء الفرق نقداً إلى الشركة) فالمُقرّر أنّه حال كانت قيمة الحصّة العينيّة أقل من نصف رأس المال فيجوز للشركاء تقييمها دون الحاجة لمقيّم مُعتمد؛ فلو فرضنا أن من ضمن حصص الشركة عقاراً قيمته المدوّنة ضمن رأس مال الشركة 3 مليون وفق تقدير الشركاء؛ فالمبلغ هذا يكون من ضمن رأس مال الشركة ويكون وضماناً لحقوق الدائنين، فإذا أتضّح لاحقاً أن هذا العقار قيمته الفعليّة مليون ريال، فوجد الفرق بين المبلغ المدوّن في عقد التأسيس بناءً على تقدير الشركاء والقيمة الفعليّة له بما ينقص معه الضمان العام للدائنين للتنفيذ على رأس مال الشركة، ففي هذه الحالة فيكون الشركاء مسئولون بالتضامن عن الفارق بين القيمتين وإلزامهم بدفعها من أموالهم الشخصيّة للشركة لشمولها بالضمان العام للدائنين.
ثالثاً: مزاولة الشركة الأجنبيّة نشاطها قبل استيفاء التراخيص اللازمة.
م240 ونصّ الحاجة منها (إذا زاولت الشركة الأجنبيّة نشاطها وأعمالها قبل استيفائها إجراءات الترخيص وقيدها لدى السجل التجاري أو قامت بأعمال تجاوزت المرخص لها فيها، كانت الشركة والأشخاص الذين زاولوا ذلك النشاط وقاموا بتلك الأعمال مسئولين عنها على وجه التضامن)
رابعاً: حل الشركة أو تصفيتها بالمخالفة لما ورد في النظام:
1- الحل الاختياري للشركة: م242/2 (إذا تبيّن أن أصول الشركة لا تكفي لسداد ديونها أو أن الشركة متعثرة وفقاً لنظام الإفلاس، فلا يجوز للشركاء أو الجمعيّة العامّة اتخاذ قرار بحلّ الشركة، وإلا كانوا مسئولين بالتضامن عن أي دين متبقّ في ذمّتها)
2- التصفية الاختياريّة للشركة م244/4 (إذا صفيّت الشركة بالمخالفة لحكم هذه المادّة كان الشركاء أو مدير الشركة او أعضاء مجلس إدارتها-بحسب الأحوال- مسئولين بالتضامن عن أي دين متبقّ في ذمّتها)
والنصوص الواردة أعلاه هي المذكورة حصراً في نظام الشركات الصادر عام 1443 والتي تقتضي تضمين الشريك أو المدير أو مجلس الإدارة-بحسب الأحوال- لديون الشركة في ذمّته الماليّة، بما تخرج معه أي مخالفة لم ترد في الحالات المقررة أعلاه في حكم التضمين وتُردّ إلى أحكام المسئولية التقصيرية وفق ما تقدّم.
أسباب حكم منشور في البوّابة القضائيّة صادر من محكمة الاستئناف بجدة، نصّ الحاجة منه (بما أن المدعية لم تَنُص في دعواها على طلب إثبات المسؤولية التضامنية، إنما طلبت الإلزام بالتعويض، وحيث إن المادّة (١٦٨) من نظام الشركات الصادر عام ١٣٨٥هـــ، (الذي أسست المدعية عليه دعوها) – والتي أبانت عن أن المسؤولية على المديرين في التعويض عن الضرر هو الذي يصيب الشركة أو الشركاء أو الغير بسبب مخالفتهم أحكام النظام؛ ولم تتناول ترتيب المسؤولية التضامنية بحق المدير عن سداد ديون الشركة الثابتة في حال حصول المخالفات المنسوبة إليه في المواد (١٦٩) (١٧٤) (١٧٥) (١٨٠) من نظام الشركات، وبالتالي فمطالبة المدعية لا تتفق مع النظام؛ إذ إن المادة -محل مطالبة المدعية بالتضمين- تناولت التعويض عن الأضرار التي تصيب الغير عند ثبوت ارتكاب المديرين لمخالفة النظام أو بسبب ما يصدر منهم من أخطاء في أداء عملهم؛ فيما الثابت بأن مطالبة المدعية بالتعويض إنما تتغيّا منها إلزام المدعى عليه (مدير الشركة) بالمستحقّات والالتزامات المحكوم له بها على الشركة (سلفاً)، وبالتالي فمطالبتها تتمثّل بإلزام المدعى عليه بما هو مستحقّ على الشركة وليست مطالبة بالتعويض عن الضرر، وبما أن المادة (١٦٨) المشار إليها لم ترتّب المسؤولية التضامنية والإلزام بسداد المديونية، وبالتالي فلا يصح تطبيقها على ما شيّدت عليه المدعية دعواها؛ بالإضافة إلى أن طلب المدعية بإلزام المدعى عليه بصفته مدير الشركة بسداد ذات المبلغ الصادر في مواجهة الشركة لا يتّفق مع ما هو وارد في نظام الشركات؛ إذ إن النظام كفل للغير المطالبة بتحميل المدير المسؤولية التضامنية عن الالتزامات التي تثبت على الشركة حال ارتكاب مخالفات في مواطن محدّدة من النظام ليس منها المخالفة المنسوبة للمدعى عليه في هذه الدعوى ــ إن ثبت صحتها ــ، ولأن المسؤولية التضامنية المقرّرة نظاماً لا تعني إصدار حكم جديد بإلزام المدير بالمبالغ المحكوم بها على الشركة؛ لأن مؤدّى ذلك صدور حكمين في حق واحد، وإنما يقتصر النظر على مدى ثبوت المسؤولية التضامنية في حق المدير وفقاً للنصوص النظامية التي رتّبتها جزاءً على مخالفة أحكام النظام؛ وبما أن الأمر كذلك، وتأسيساً على ما سبق، فتنتهي دائرة الاستئناف إلى تأييد نتيجة حكم محكمة أول درجة. وللمدعية -إن رغبت- إقامة الدعوى بالمطالبة بالتعويض عن الضرر وفقاً للأصول الصحيحة في مطالبات التعويض عن الضرر المبني على أركان التعويض وإثبات المسؤولية عنه)
والله أعلم وأحكم