من أكثر الدعاوى رواجاً لدى المحاكم التجاريّة هي دعاوى مسئوليّة المدير الناتجة عن عمله وإدارته للشركة، وغالب الدعاوى-وفق ما هو منشور في البوابّة القضائيّة- يُقضى بعدم قبولها لعدم استيفاء المدّعي الإجراءات الشكليّة والخطوات الأوليّة التي يجب عليه اتّباعها قبل إقامة هذه الدعوى، أو برفضها موضوعاً للقصور في إبراز المُستندات والاستناد للنصوص النظاميّة في موضعها المُقرّر.
فإقامة مثل هذه الدعاوى جُزافاً دون التقيّد بالإجراءات الشكليّة المُحدّدة نظاماً ودون تحديد موقع الخطأ وبيان الضرر الذي حصل ومدى التعويض وكيفيّة تحديده والنصّ النظامي الحاكم غير وجيه، ومن ثمّ فيجب اتّباع الطريق المرسوم شكلاً وموضوعاً وفق ما نصّ عليه نظام الشركات وفق التفصيل التالي:
أولاً: الإجراءات الشكليّة:
تتّصف بعض الدعاوى المُتعلّقة بتطبيق أحكام نظام الشركات بالشكليّة المُصاحبة للإجراءات التي يجب القيام بها ابتداءً قبل رفع الدعوى، وحال تخلّفها فإنه سيُقضى بعدم القبول، ومن هذه الإجراءات ما جاء في المادّة 29 من نظام الشركات والتي رسمت الطريق الإجرائي لرفع دعوى المسئوليّة تجاه المدير أو مجلس الإدارة بفقراتها الأربع حسب حال الشركة ووضعها، وحيث رسمت هذه المادّة أربع طُرق يتمّ بموجبها إقامة الدعوى الماثلة تجاه المدير وفق التالي:
1-صدور قرار الشركاء برفع دعوى المسئوليّة تجاه المدير تحت مظلّة القرارات الصادرة من الجمعيّة العامّة وفق الأحكام المٌقررّة لهذا الشأن.
2-تولّي المصفّي رفع الدعوى تجاه المدير حال كانت الشركة تحت التصفية.
3-تولّي أمين الإجراء ومُمثّل الشركة حال صدور حكم تصفية الشركة وفق نظام الإفلاس.
4-تولّي الشريك أو المساهم الذين يملك خمسة بالمئة من رأس مال الشركة إقامة الدعوى نيابةً عنها حال تقاعسها عن القيام برفعها بشرط أن يكون الهدف من الدعوى تحقيق مصالح الشركة مع إبلاغ مدير الشركة أو مجلس إدارتها بالعزم على رفع الدعوى قبل أربعة عشر يوماً من تاريخ رفعها.
ثانياً: الإجراءات الموضوعيّة:
قبل إقامة الدعوى موضوعاً يجب على المدّعي أن يُحدّد موضع المسئوليّة والخطأ الموجب للتعويض، والنصّ النظامي المُستند عليه، ويستند في ذلك على الأوراق والمُستندات المُتعلّقة بأعمال الشركة وفق التسلسل التالي:
1 – إقامة دعوى لطلب الاطّلاع على القوائم المالية للشركة وأن يطلب الاطلاع على دفاترها ومستنداتها وبياناً موجزاً عن حالة الشركة المالية.
2- تعيين محاسب قانوني للاطلاع على المُستندات والأوراق لتحديد موقع المسئوليّة ومبلغ الضرر وخلافه.
3 – تحديد النصّ النظامي محلّ المُخالفة من واقع ما نصّت عليه المادّة 26 من نظام الشركات والمادّة 31 من ذات النظام- الحجر الأساس في تقييم قرارات المدير- وبناءً الدعوى بموجبهما.
وأنّ خلت الدعوى من اتّباع الطرق فستقضي المحكمة برفضها، كون أنّ ليس من مهام القضاء تحديد وتقدير المبالغ المُطالب بها نيابةً عن مدّعي الحق، فقد جاء في أسباب الحكم الصادر من المحكمة التجاريّة بجدة ما نصّ الحاجة منه (فطلب المحاسبة على وجه الإطلاق دون تحديد لماهية المطالبة وتحديد مكمن الطعن فيها تحديداً دقيقاً يؤدي إلى حجيتها والاعتداد بها ونفوذها طلب غير محرر وليس من عمل القضاء التصدي له، كما لا يخفى أن فتح المجال أمام دعاوى المحاسبة على وجه الإطلاق يؤدي إلى عدم استقرار أعمال الشركات والمؤسسات باعتبار أن أي شريك يطلب إجراء المحاسبة تلو أخرى للبحث عما إذا كان له حقوق أم لا، ولا يخفى أن قبول أي مراجعة لبحث حقوق للشريك يؤثر على الشركات وعلى عملها ويمكن التوصل لهذا الغرض باطلاع الشريك على المستندات والميزانيات وبناؤه عليها ومن ثم المطالبة بما يتبين له، كما أن الجهة القضائية لا يمكن أن تفصل في قضية إلا وفق طلبات محددة ومبالغ مقدرة، وليس من مهمة القضاء تحديد المبالغ التي يطالب بها المدعيين، إذ لا يصح أن يكون عمل القضاء هو تحديد وتقدير الحقوق المطالب بها نيابة عن أصحابها؛ لأن مثل هذا العمل يخرجه عن الحيدة المقررة شرعاً في عمل القضاء)
والله أعلم وأحكم.